سورة الممتحنة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الممتحنة)


        


تلقون اليهم بالمودَة: تودونهم وتخبرونهم بأخبارنا. يُخرجون الرسولَ وإياكم: من مكة. أن تؤمنوا بالله: من اجل ايمانكم بالله. سواء السبيل: الطريق القويم المستقيم. إن يثقفوكم: إن يظفَروا بكم. أرحامكم: قراباتكم.
تقدم الكلامُ عن سبب نزول هذه الآيات، في الصحابيّ حاطب بن أبي بلتعة، وهو صحابي من المهاجرين الذين جاهدوا في بدرٍ (وهؤلاء لهم ميزة خاصة) وانه كتب إلى قريش يحذّرهم من غزو الرسول صلى الله عليه وسلم لمكة مع امرأة، وان الرسول الكريم كشف امره، وأرسل سيدنا علي بن أبي طالب مع عددٍ من الصحابة الكرام وأخذوا الكتاب من المرأة. وقد اعترف حاطب بذنبه، وقال للرسول عليه الصلاة والسلام: واللهِ ما كفرتُ منذ أسلمت، ولا غششتُ منذ آمنت، لكنّي كتبت إلى قريش حمايةً لأهلي من شرهم، لأني لست قرشياً ولا يوجد لي عشيرةٌ تحميهم. فعفا عنه وقبل عذره. والآية عامة في كل من يصانع العدوَّ أو يُطْلعه على أسرار المسلمين، أو يتعاون معه. ومعناها:
يا أيها الذين آمنوا، لا تصادِقوا الأعداء، فلا تتخذوا اعداء الله واعداءَكم انصارا.
{تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة}.
تعطونهم المحبة الخالصة، مع أنهم كفروا بما جاءكم من الإيمان بالله ورسوله، وقد اخرجوا رسول الله واخرجوكم من دياركم {أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبِّكُمْ} لأنكم آمنتم بالله ربكم. فإن كنتم خرجتُم من دياركم للجهاد في سبيلي وطلبِ رضاي فلا تُسِرّوا اليهم بالمحبة، أو تسرِّبوا إليهم الاخبار، وأنا أعلمُ بما أَسررتم وما اعلنتم.
{وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل}.
ومن يتخذْ أعداءَ الله أولياءَ وانصاراً فقد انحرف وضل عن الطريق المستقيم. ذلك أن هؤلاء الذين تحبّونهم سراً، إن يظفروا بكم تَظْهَرْ لكم عداوتهم، ويمدوا إليكم أيديَهم وألسنتهم بالأذى والقتل وبكل ما يسوؤكم. وكم متنَّوا ان تكفروا بالله بعد إيمانكم، إنهم يودّون لكم كل ضرر وأذى في دينكم ودنياكم، فكيف بعد هذا تحبّونهم سرا، وتمدونهم بالأخبار!
ثم بين ان ما جعله بعضُ الصحابة من مودّتهم (للمحافظة على الأهل والولد) لا ينبغي ان يقدَّم على المصلحة العامة، وامورِ الدين فقال: {لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ القيامة}.
لا ينفعكم شيء يوم القيامة، لا قراباتكم ولا أولادكم، لا ينفع المرءَ في ذلك اليومِ الا العملُ الصالح والاخلاص في دينه وايمانه، واللهُ تعالى يفصِل بينكم يوم القيامة، فيذهب أهل النار إلى النار، واهل الجنة إلى الجنة، {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
قراءات:
قرأ عاصم: {يفصل} بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد. وقرأ حمزة والكسائي: {يفصِّل} بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد المشددة. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: {يفصل} بضم الياء وسكون الفاء وفتح الصاد مبنيا للمجهول. وقرأ ابن عامر: {يفصل} بضم الياء وفتح الفاء والصاد المشددة. فهذه اربع قراءات والمعنى واحد لان الفعل فَصَل يَفصِل، وفَصَّل يُفصِّل بمعنى واحد.


الأسوة: بضم الهمزة وكسرها: القدوة. برَآءُ: جمع بريء يعني متبرئين منهم. لا تجعلنا فتنة للذين كفروا: لا تسلّطهم علينا فتنزل البلاء علينا بأيديهم. ومن يتولّ: ومن يعرِض.
بعد أن بيّن للمؤمنين خطر موالاة الكفار ولو كانوا من أقربائهم وأولادهم- جاء هنا يذكّرهم بما فعل جدُّهم إبراهيم (فإن قريشَ والعرب عامة يعتقدون ان نسبهم متصلٌ بابراهيم) وكيف تبرأ هو والذين هاجروا معه من أهلِهم وقومهم، وعادوهم، وتركوا لهم الديار، فهلاَّ تأسّيتم ايها المؤمنون بهذا النبي العظيم!
قد كانت لكم قدوة حسنةٌ تقتدون بها في أبيكم إبراهيمَ والذين معه، حين قالوا لقومهم: تبرأْنا منكم، ومن الآلهة التي تعبدونها من دوِ الله، لا يجمعُنا بكم شيء، كَفَرْنا بكم، وظهر بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاء التي لا تزول أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده... فلا تجاملوهم أيها المسلمون ولا تُبدوا لهم الرأفةَ وتستغفروا لهم.
وأما قولُ إبراهيم لابيه: {لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْءٍ} فإنما كان عن مَوْعِدَةٍ وعدها إياه، فلما تبيّن له انه عدوٌ للهِ تبرّأ منه، كما جاء في سورة التوبة الآية 114: {وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}
ثم بين الله كيف ترك إبراهيمُ والذين معه قومهم وأوطانهم والتجأوا إلى الله: {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المصير}.
ربّنا قد اعتمدْنا عليك في جميع أمورنا، ورجعنا اليك بالتوبة، ومصيرُنا اليك. فاقتدوا بهم أيها المؤمنون.
{رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ واغفر لَنَا}.
ربّنا لا تجعلّنا بحالٍ نكون فيها فتنة للكافرين، بأن تُظهرَهم عينا فيفتنونا بذلك، واغفر لنا ذنوبنا، {رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم}.
ثم كرر ما تقدّم للاقتداء بإبراهيم عليه السلام ومن معه فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر}.
لقد كان لكم أيها المؤمنون في إبراهيمَ والذين معه قدوةٌ حسنة في معاداتكم لأعداء الله، وهذه القدوةُ لمن كان يرجو لقاء الله في اليوم الآخر.
{وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد}.
ومن يعرض عن هذا الاقتداء فقد ظلم نفسه، والله غنيّ عن إيمانه، بل عن جميع خلقه، محمود بأياديه وآلائه.
{عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم...} من الكافرين {مودّةً} بتوفيقهم للايمان، {والله قَدِيرٌ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. وقد صدقت نبوءةُ القرآن ففُتحت مكة، وأسلم كثيرٌ من المشركين الذين نهاهم الله عن مودّتهم، ودخل الناسُ في دين الله أفواجا.
قراءات:
قرأ الجمهور: {إسوة} بكسر الهمزة. وقرأ عاصم: {أسوة} بضم الهمزة وهما لغتان.


أن تبروهم: إن تحسنوا اليهم بكل خير. البر: كلمة تجمع معاني الخير والاحسان. تقسطوا اليهم: تعدلوا فيهم. المقسِطين: العادلين. ظاهَروا: ساعدوا. ان تولوهم: إن تكونوا لهم اصدقاء واحياء وانصارا.
في هاتين الآيتين الكريمتين يضعُ الله لنا قاعدةً عظيمة، ويبيّن أن دِينَ الإسلام دينُ سلام ومحبة وإخاء، فيقول: من عاداكم فعادُوه وقاتِلوه، أما الذين سالموكم ولم يقاتلوكم، ولم يخرجوكم من دياركم- فعليكم ان تسالِموهم وتكرموهم، وتحسِنوا اليهم، وتعدِلوا كل العدل في معاملتكم معهم، {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} العادلين.
أما الذين حاربوكم في دينكم ليصدّوكم عنه، وأجبروكم على الخروج من ديارِكم، وعاونوا على اخراجكم- فهؤلاء ينهاكم الله عن أن تتخذوهم أنصارا، بل قاتِلوهم وشدِّدوا عليهم {فأولئك هُمُ الظالمون}.
ولننظر الآن من هو عدوُّنا الذي اغتصب أرضنا، وشرّد منها أهلنا وأقرباءنا، ومن من الدول التي ظاهرتْهُ وعاونته على إخراج أهلِنا من ارضهم، وأمدّته بالسلاح والمال، فان هذه الدولة الكبرى هي عدوّنا الأول.. فاستيقظوا أيها العرب وتنبّهوا واعرفوا عدوكم. والأمر واضحٌ لا يحتاج إلى دليل.

1 | 2